النص
كيف يمكن للتعلّم من دروس الماضي أن يثري تأسيس مجتمع مستدام؟
يقول عبد الرحمن الطريري، رئيس قطاع التواصل والعلاقات العامة في الهيئة الملكية لمحافظة العلا: "نعمل جنبًا إلى جنب مع أهالي العلا لتحقيق رؤيتنا الطموحة، نحو اقتصاد مزدهر ومتنوع ووجهة من شأنها تعزيز نوعية الحياة من خلال التجديد الحضري والمجتمعي الشامل لمحافظة العلا".
وأضاف قائلاً: "من المهم جدًا أن تكون قريبًا من أفراد المجتمع، وأن نفتح كل أبواب التواصل للاستفادة من تجاربهم".
في هذه الحلقة من Visionary Realms (مسارات تقدم رؤية مستقبلية)، ينضم عبد الرحمن الطريري إلى ميغ رايت من FT Longitude لمناقشة دور التراث الثقافي في توجيه التنمية والتخطيط الحضريين، والاضطلاع بجوانب التصميم مع وضع المجتمع في الاعتبار.
نص المقطع: نعمل جنبًا إلى جنب مع أهالي العلا لتحقيق رؤيتنا الطموحة، نحو اقتصاد مزدهر ومتنوع ووجهة من شأنها تعزيز نوعية الحياة من خلال التجديد الحضري والمجتمعي الشامل لمحافظة العلا. لذلك من المهم جدًا أن تكون قريبًا من أفراد المجتمع، وأن نوفر كل سبل التواصل معهم، وفهم احتياجاتهم لبلورة رؤية عامة تشرح البرامج أو المبادرات المشتركة.
عبد الرحمن الطريري: رئيس قطاع التواصل والعلاقات العامة في الهيئة الملكية لمحافظة العلا
نص المقابلة:
عبد الرحمن الطريري: من المهم جدًا أن تكون قريبًا من أفراد المجتمع، وأن نوفر كل سبل التواصل معهم، وفهم احتياجاتهم لبلورة رؤية عامة تشرح البرامج أو المبادرات المشتركة.
تعليق صوتي: هذه المقابلة جزء من Visionary Realms (مسارات تقدم رؤية مستقبلية)، وهي سلسلة صوتية تنتجها FT Longitude بالشراكة مع الهيئة الملكية لمحافظة العلا.
ميغ رايت: موقع العلا الاستراتيجي في شمال غرب شبه الجزيرة العربية جعلها على مدار آلاف السنين مركزًا مهما للتجارة والثقافة.
واليوم، يكمن هدف العلا في الحفاظ على روابط قوية مع هذا التراث الثقافي، عبر استخدامه كأساس لمجتمع مزدهر يقوم على الاستدامة والنمو الاقتصادي.
أهلاً ومرحبًا بكم في سلسلة Visionary Realms (مسارات تقدم رؤية مستقبلية)، التي تستكشف رؤى جديدة لتنمية المجتمع والسياحة والحفاظ على التراث. في كل حلقة، نلقي نظرة عن كثب على مجتمع أو منطقة تعتمد على الدروس المستفادة من الماضي للبناء من أجل مستقبل مستدام.
أنا ميغ رايت، يشرّفني أن أكون مضيفتكم. نتجه اليوم إلى العلا، وهي واحة عربية قديمة، تقع على بُعد 330 كيلومترًا شمال غرب المدينة المنورة، وسنلقي نظرة على دور التراث الثقافي في المساهمة في النمو المستدام والتطور الاقتصادي.
إذًا كيف يمكن للتعلّم من دروس الماضي أن يثري اللبنات الأساسية لمجتمع مزدهر؟
ينضم إليّ عبد الرحمن الطريري، رئيس قطاع التواصل والعلاقات العامة في الهيئة الملكية لمحافظة العلا، لمناقشة هذا الأمر. شكرًا عبد الرحمن لانضمامك إليّ.
عبد الرحمن الطريري: شكرًا لكِ يا ميغ على استضافتي.
ميغ رايت: تميز العلا بتاريخ غني إذ أنها مأهولة بالسكان منذ آلاف السنين، هل يمكنك البدء بمشاركة بعض الدروس التي يمكن تعلّمها من الماضي لتطوير مجتمعات مستدامة للمستقبل؟
عبد الرحمن الطريري: بالفعل. تطور العلا ليس مسألة راهنة فحسب، بل يمتد تاريخ العلا إلى 200,000 عام من التواجد البشري، فهو مكان يتميز بثقافة جاذبة، وبتراث عريق، فضلاً عن العجائب القديمة.
يمكننا تعلّم الكثير من ماضي العلا ودورها الفريد كمفترق طرق للحضارات، إذ تمثل مكانًا يجتمع فيه المسافرون والتجار على طريق الحرير لتبادل المعرفة، وإبداع أفكار جديدة، واستكشاف حلول جديدة.
تقع العلا في شمال غرب شبه الجزيرة العربية، وتبلغ مساحتها أكثر من 22,000 متر مربع. كما أنها تتميز بمناظر طبيعية واسعة وغنية بالثقافة، وبجبال شاهقة، وصحراء شاسعة، وواحات قديمة.
تُعدّ العلا موطن مدينة الحِجر التاريخية، وهي أول موقع تراث عالمي في المملكة مدرج على قائمة اليونسكو، تم الاعتراف به في عام 2008، وهو عبارة عن مجموعة من المدافن نحتها النبطيون في القرن الأول قبل الميلاد.
يمكنك تتبع قصص الجزيرة العربية عبر المعالم الثقافية في العلا وتراثها، تمامًا كما تحتضن أثينا أو روما تاريخ أوروبا.
ميغ رايت: بالتفكير في مكان متنوع للغاية وغني للغاية بالتاريخ، كيف تشرك أهالي العلا في بدء تشكيل مستقبل العلا؟ ما الدور الذي يؤديه هؤلاء الأشخاص في هذه البيئة الجديدة؟ كيف يتم التركيز عليهم في مخططاتك؟
عبد الرحمن الطريري: هذا أحد أقرب المواضيع ذات الاهتمام الأكبر لدى الهيئة الملكية لمحافظة العلا. أعتقد أن جميع القصص في العلا تتمحور حول الإنسان، إنسان يبني الحضارة، وإنسان يبني المدينة ويحوّلها الآن نحو المستقبل. يمكننا الاستفادة من ذلك ليس فقط لتطوير وجهة سياحية، بل أيضًا من جهودهم عندما يتعلق الأمر بالزراعة وغيرها من الجوانب. لذا نعمل جنبًا إلى جنب مع الأهالي لتحقيق رؤيتنا الطموحة، لتوفير اقتصاد مزدهر ومتنوع ووجهة من شأنها تعزيز نوعية الحياة من خلال التجديد الحضري والمجتمعي الشامل لمحافظة العلا.
وإذا نظرتِ على سبيل المثال إلى رؤيتنا تجاه التنمية الحضرية، فإننا نبني المستقبل ولكن بإلهام من الماضي. لذلك نبدي احترامًا أيضًا للأشخاص الذين كانوا يعيشون هنا، وما أود دائمًا قوله وفقًا لهذا المنظور هو أننا نطوّر العلا مع أهلها الذين هم الشركاء، وليس حوله. نعيد تهيئة العلا لتصبح مكانًا يتمتع بإدارة متقنة مع خدمات وبنية تحتية عالية الجودة تعزز نوعية الحياة وترتقي بمجتمعاتنا بلا شكّ.
ميغ رايت: هل يمكنك إعطائي مثالاً على مشروع أو برنامج شاركت فيه مع المجتمع، أي شيء قد يتبادر إلى ذهنك؟
عبد الرحمن الطريري: هناك الكثير، لكن يبادر إلى ذهني أحد المشاريع التي اشترك فيها أهالي العلا، تحديدًا في المراحل الأولى من مشاريعنا في الهيئة الملكية لمحافظة العلا، حوالي عام 2018، عندما دعونا جميع كبار السن الذين كانوا يعيشون في البلدة القديمة، لنتعلّم منهم كيف كانت البلدة تعمل، وأين هي البوابة، ومتى يغلقونها، وأين المخبز، وأين المسجد، وأين المنازل، وكيف كانت تُمارَس التجارة، وكيف كانوا يبنون نظامهم الأمني. يمكنني أن أقول لك تعلّمنا الكثير، وهو ما أعطانا قاعدة انطلاق ممتازة للبدء في دراسة الآثار وجميع الجوانب الأخرى من أجل إعادة إحياء البلدة القديمة، وهي الآن ترحّب بجميع السياح والزوار.
ميغ رايت: وأعتقد أنّ هذا توازن مهم للتأكد من فعل الصواب. وأتساءل هنا، كيف جمعت العلا بين احتياجات المجتمع عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على هذه المواقع الطبيعية ذات القيمة التاريخية والتعامل في الوقت نفسه لتعزيز التنمية والتمكين الاقتصادي المحلي؟
عبد الرحمن الطريري: ندرك أنه من واقع تجربة العديد من المدن الأخرى في جميع أنحاء العالم التي تشهد، على سبيل المثال، سياحة جماعية، فذلك ليس السيناريو الأفضل في بعض الأحيان للمجتمعات في هذه المدن. عندما تزدهر السياحة، ترتفع الأسعار أحيانًا. لذا فإننا نضع كل هذه المواضيع في الاعتبار.
لقد حققنا بعض الإنجازات، ولكن لا تزال أمامنا رحلة طويلة في المستقبل للتأكد من أن هناك، على سبيل المثال، منازل ميسورة التكلفة، وخدمات عالية المستوى تُقدّم للأهالي والزوار والسكان.
سأعطيك مثالاً على مخططاتنا. في السابع من أبريل 2021، أعلنّا عن أول مخطط رئيسي وهو "رحلة عبر الزمن"، ويشمل منطقة التراث الأساسية التي تبدأ من مدينة الحِجر إلى الشمال وحتى الجنوب، على بعد 20 كيلومترًا وصولاً إلى البلدة القديمة. ستكون هذه المنطقة مليئة بالمنتجعات والأنشطة السياحية وما إلى ذلك. ولكن في البلدة القديمة إلى الجنوب، أي وسط العلا وجنوب العلا، أعلنّا عن مخططنا الثاني، ويشمل منطقة التنمية الحضرية الأساسية وأعلنّا عن ذلك في 30 أغسطس من العام الماضي وهو "نحو مجتمع مزدهر". هذا المخطط هو لمصلحة المجتمع حيث نعزّز فيه نوعية الحياة. وإذا أردنا تفصيل هذه العنوان، فنعني بذلك الصحة، والتعليم، والرياضة، وتحسين جودة الحياة. كما أننا نبتكر نموذجًا يوفر الوصول إلى الخدمات الأساسية الرئيسية في غضون 15 دقيقة سيرًا على الأقدام، من أي مكان في جنوب العلا ووسطها. أتحدث عن منافذ المأكولات والمشروبات، والعيادات الطبية، والمدارس، وما إلى ذلك.
ميغ رايت: يحثّني فضولي على طرح السؤال، كيف تصمم الهيئة الملكية لمحافظة العلا برامجها للبدء في دعم المرونة في المجتمع، خاصةً مع نمو المنطقة بجميع الطرق المختلفة التي كنا نتحدث عنها اليوم؟
عبد الرحمن الطريري: المرونة موضوع مهم جدًا للتحدث عنه، لا سيما أثناء الجائحة في طبيعة الحال. وكان أحد البرامج الأولى تمكين المجتمع وتثقيفه ليكون منافسًا في سوق العمل. لذلك أطلقنا برنامج العلا للابتعاث وأرسلنا طلابًا إلى المملكة المتحدة وفرنسا وأستراليا والولايات المتحدة لدراسة مختلف التخصصات التي تتعلق بوظائف المستقبل؛ حيث تتناول هذه التخصصات التاريخ والآثار والزراعة وما إلى ذلك.
كما أطلقنا برامج أخرى مختلفة. ومنها برنامج حمّاية. حمّاية في اللغة الإنجليزية تعني Protectors (الحماة). بدأنا بعدد 2,500 مشترك في جميع برامجنا، وللعلم، فإن برامجنا جميعها تضم 50% من الإناث، و50% من الذكور.
العلا تنمو أكثر فأكثر، وهي تجذب بالفعل الشركات الدولية والإقليمية لإنشاء مقرّاتها هنا. لذا من الضروري تمكين أفراد المجتمع بمنحهم الأدوات اللازمة، ومن ثمّ يختارون إما البحث عن وظيفة أو ممارسة الأعمال التجارية أو أي شيء آخر. فيصبح لهم الدور الأهم في الاقتصاد.
ميغ رايت: أخيرًا وليس آخرًا، بناءً على كل ما تناولناه اليوم، برأيك ما الذي يمكن أن تتعلمه المناطق الأخرى من نهج العلا في تنمية المجتمع؟
عبد الرحمن الطريري: أقول هنا، وخاصةً بصفتنا فريق تواصل، أن أهمّ جانب في التواصل هو الاستماع وأنا أعرّف مصطلح التواصل بطريقة مختلفة، وهو سماع ما لم يُقال. لذلك من المهم جدًا أن تكون قريبًا من أفراد المجتمع، وأن تكون متواضعًا بما يكفي للاستماع إليهم والتعلم منهم، ثم تحاول فهم احتياجاتهم قبل أن تفرض عليهم رؤية عامة وتشرح البرامج أو المبادرات لهم والتي قد تكون، بكلّ بساطة، لا تناسبهم.
ميغ رايت: أعتقد أن هذه نصيحة حكيمة جدًا وملاحظة رائعة ننهي بها لقاءنا. شكرًا جزيلاً على انضمامك إلينا اليوم ونتمنى لك التوفيق في صياغة مستقبل العلا.
عبد الرحمن الطريري: شكرًا لك. ميغ. شكرًا لكم جميعًا.