الجمع بين الزراعة والسياحة من أجل مستقبل مستدام

تاريخ النشر

03 October 2024

الأوسمة

FT_Regenerative_Tourism

النص

الدكتور عبدالله الحميد:
تمثل السياحة فرصة اقتصادية لقطاع الزراعة، فيما تقدم الزراعة تجارب ثقافية فريدة للسياح. ومن خلال الجمع بين الزراعة والسياحة، تبتكر العلا نموذجًا مستدامًا وفريدًا من شأنه تعزيز التراث الثقافي والنمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة.  

تعليق صوتي:
هذه المقابلة جزءٌ من Visionary Realms (مسارات تقدم رؤية مستقبلية)، وهي سلسلة صوتية تنتجها FT Longitude بالشراكة مع الهيئة الملكية لمحافظة العلا. 

ميغ رايت:
تمثل العلا وجهةً تتميز بتنوع طبيعي وبيئي هائل، بما تضمّه من أنظمة بيئية صحراوية وأنواع حيوانية فريدة بالإضافة إلى مواقعها التراثية المدرجة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي. وفي القلب النابض لهذا المكان، يوجد قطاع زراعي مزدهر يجمع بين التراث وطرق الإنتاج المبتكرة، ما يضع العلا على الخريطة السياحية.  

أهلاً ومرحبًا بكم في سلسلة Visionary Realms (مسارات تقدم رؤية مستقبلية)، التي تستكشف رؤى جديدة لتنمية المجتمع والسياحة والمناظر الطبيعية والثقافية. في كل حلقة، نلقي نظرة عن كثب على مجتمع أو منطقة تعتمد على الدروس المستفادة من الماضي للبناء من أجل مستقبل مستدام.  

معكم مُضيفتكم ميغ رايت، واليوم سنلقي نظرةً عن كثب على العلا. فعلى غرار العديد من الوجهات السياحية الأكثر تفرّدًا في العالم، تبذل العلا جهودًا مضنية لضمان الحفاظ على تراثها الزراعي وتجديده، وتعمل في الوقت ذاته على ضمان النمو الاقتصادي على المدى الطويل من خلال السياحة.  

إذًا، ما الذي يمكننا تعلّمه من النهج الذي تتّبعه العلا في الزراعة والسياحة؟ ينضم إلينا لمناقشة هذا الشأن الدكتور عبدالله الحميد، مدير قطاع الزراعة في الهيئة الملكية لمحافظة العلا.  

دكتور الحميد، شكرًا لانضمامك إلينا. قبل أن نتطرّق إلى قطاع الزراعة وكيف يشكّل السياحة المستدامة في العلا، أودّ البدء باستكشاف الأسباب التي تجعل المشهد الزراعي في المنطقة فريدًا بهذه الدرجة.  هل يمكنك أن تعطينا صورة لما يبدو عليه هذا المشهد. وما مدى تعبير التقاليد الزراعية عن تراث المنطقة وثقافتها؟  

الدكتور عبدالله الحميد:
إن المشهد الزراعي في العلا فريد من نوعه نظرًا للمزيج المذهل بين الخصائص الطبيعية والتراث الغني. لنبدأ بالطبوغرافيا والمناخ، حيث تعمل الطبوغرافيا والمناخ المتنوع في العلا على خلق أنظمة بيئية مختلفة تسمح بزراعة مجموعة واسعة من المحاصيل، بما في ذلك الأنواع النباتية في البيئات القاحلة وشبه القاحلة وأحيانًا الأنواع الاستوائية هناك. وللتراث والتقاليد تأثير بالغ كذلك. 

تُعد الممارسات الزراعية في المنطقة متأصلة بعمق في التراث الثقافي الغني. وتُظهر الأساليب القديمة مثل القناة أو القناة المائية، التي كانت تُستخدم لإدارة المياه منذ آلاف السنين، ولا تزال ممارسة قائمة، براعة المزارع في العصور السابقة. لكننا في قسم الزراعة بالهيئة الملكية لمحافظة العلا نطبّق أيضًا الممارسات المستدامة وحوكمة المياه الحديثة واستراتيجيات الري المستدامة لضمان إدارة الموارد بمسؤولية ودعم النمو الزراعي ومرونة المياه في المنطقة. 

وكمثال على ذلك، يعمل مشروع الواحة الثقافية للهيئة الملكية لمحافظة العلا على تنشيط الزراعة في العلا، وتعزيز الإنتاجية، وكذلك إنقاذ تراثها من خلال إنقاذ التنوع النباتي القديم في العلا. 

حسنًا، أخيرًا وليس آخرًا، مهرجان الزراعة والاحتفال بها. ويشمل ذلك مهرجان العلا للحمضيات، ومهرجان التمور، ومهرجان الفواكه الصيفية، حيث يتم الاحتفاء بالتقويم الزراعي كل عام ويلتقي المجتمع معًا لعرض المنتجات المحلية. وبالطبع يتفاعل السياح والزوار كل عام مع هذه الفعاليات كتجربة لطيفة في العلا. 
 
ميغ رايت:
ثمة ركيزتان أساسيتان لاستراتيجية السياحة في العلا، وهما التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك الحفاظ على التراث والثقافة. فما الدور الذي يلعبه القطاع الزراعي دعمًا لهذه الرؤية؟ كيف توظّفون الزراعة لتعزيز السياحة؟  

الدكتور عبدالله الحميد:
تلعب الزراعة دورًا محوريًا في دعم رؤية العلا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك الحفاظ على التراث والثقافة. وهنا يظهر التكامل جليًا، حيث يُعد التكامل بين السياحة والزراعة عنصرًا محوريًا في رؤية العلا المتمثلة في أن تصبح مركزًا عالميًا للتراث الثقافي والسياحة البيئية. 

ومرةً أخرى، فإننا نطبّق أيضًا الابتكار والمساواة، من خلال استراتيجية الزراعة المستدامة للهيئة الملكية لمحافظة العلا. ونعمل كذلك على تعزيز المنتجات عالية الجودة والابتكار وطرق الزراعة المثالية والتجارب السياحية بالإضافة إلى تعزيز فرص الاقتصاد للسكان المحليين. وكل هذا يحدث بالطبع في ظل مستوى عالٍ من المشاركة المجتمعية، حيث يساعد إشراك المزارعين المحليين في الأنشطة السياحية على مشاركة القصص الزراعية الخاصة بالعلا مع الزوار، ومع السياح، وتعزيز التنويع الاقتصادي وتنمية المهارات في المنطقة. 

ربما تجدُر الإشارة إلى أن هناك مزيجًا من الأنشطة. فهناك مبادرات بدأتها الهيئة الملكية لمحافظة العلا، فيما تسمّيه المبادرات التعليمية. وهي تركز بشكل أكبر على تدريب المزارعين وكذلك تدريب المجتمع المحلي وإشراك السياح والزوار في هذا النوع من التدريب فقط للسماح لهم بفهم قصص الزراعة في العلا. 

ميغ رايت:
أشعر بالفضول إزاء معرفة نوع التجربة التي تأمل أن يحصل عليها السياح عند زيارتهم لمحافظة العلا؟ فإذا أمضوا وقتًا في استكشاف هذا المشهد الزراعي الرائع، ما الانطباع الذي تأمل أن يتركه لديهم؟  

الدكتور عبدالله الحميد:
أريد حقًا أن يكون الزوار والسياح عند مغادرتهم العلا قد استشعروا أجواء العلا وعايشوها عمليًا، من خلال الممارسات اليومية التي شاهدوها وملامسة أرضها كذلك. وكذلك من خلال مشاهدة كيفية ارتباط المزارعين وسكان العلا بمزارعهم، وأريد حقًا أن يتكوّن لديهم هذا الانطباع عن مدى ارتباط هؤلاء الأشخاص بأرضهم. 

ميغ رايت:
يبدو أن تكوين هذه الروابط يشكّل جزءًا مهمًا من هذه التجربة - لكل من المقيمين والزوار. فكيف تتفاعلون مع المجتمعات المحلية للتواصل مع السياح؟ هل يمكنك مشاركة أي أمثلة مع مستمعينا حول بعض المنتجات والممارسات التي يتم عرضها على الزوار في جميع أنحاء المنطقة؟  

الدكتور عبدالله الحميد:
نعم، يُعد التفاعل مع المجتمع المحلي أمرًا بالغ الأهمية للتواصل مع السياح وعرض التراث الزراعي في العلا. لكنّي سألخص ذلك في ثلاث نقاط: أولاً، التجربة الثقافية. فالزراعة توفر للسياح طريقةً فريدةً لتجربة ثقافة العلا وتراثها من خلال زيارات المزارع والمهرجانات وحتى أسواق المزارعين المحليين في العلا. 

ثانيًا المنافع الاقتصادية. فبطبيعة الحال، تجذب فعاليات مثل مهرجان الحمضيات ومهرجان التمور ومهرجان الفواكه الصيفية آلاف الزوار والسياح، ما يعزّز الأعمال المحلية وكذلك الاقتصاد الزراعي. وهنا تبرز علاقة جيدة، علاقة مترابطة بين السياح والسياحة والزراعة. 

تتمثل النقطة الثالثة في أن نمو السياحة البيئية يوفر للمزارعين فرصة اقتصادية جديدة مثل تحويل مزارعهم إلى فنادق صغيرة أو السماح لهم بالاستفادة من زيادة النشاط السياحي في المنطقة. وهنا نتحدث بالطبع عن السياحة الزراعية. 

ميغ رايت:
وهل تقومون ببناء أي مرافق أو بنية تحتية متخصصة لدعم النمو الزراعي في المنطقة؟  

الدكتور عبدالله الحميد:
تلتزم الهيئة الملكية لمحافظة العلا بتطوير مرافق وبنية تحتية متخصصة لدعم النمو الزراعي. وكما أخبرتكِ من قبل، فهذا جزءٌ أساسي من الناتج المحلي الإجمالي لاقتصاد العلا. ولذلك هناك التزام من الهيئة الملكية لمحافظة العلا بالاستثمار في البنية التحتية، ونحن نتحدث هنا بناءً على الاستراتيجية الزراعية في العلا. وهذا يشمل تطوير البنية التحتية مثل التخزين البارد والمختبرات ومرافق التسميد ومراكز المزارعين لفرز المنتجات المحلية وتعبئتها وتسويقها أيضًا. 

بالطبع، يُعد معظم هذه البنية التحتية موجودًا بالفعل وبعضها يجري العمل على إنشائه، لكن هناك أيضًا كيان آخر مثل مركز البيرغرينا. يركز مركز البيرغرينا بشكل أكبر على المراحل النهائية لإنتاج البيرغرينا. ولذلك بعد الحصاد، يصبح مركز البيرغرينا مركزًا يركّز بشكل أكبر على مستحضرات التجميل التي تأتي من منتجات البيرغرينا، وهي شركة خاصة وربحية أيضًا، بدأتها أو أسستها الهيئة الملكية لمحافظة العلا. 

ولكن من ناحية أخرى، لدينا المركز الزراعي أو مركز خدمات المزارعين. وهو الذراع التشغيلي لقطاع الزراعة على أرض الواقع. ويوفر الدعم الفني للمزارعين، ويضمن الممارسات المستدامة والسوق كما يضمن ويتحكم في الأمن الحيوي للمساحة الزراعية والمنطقة أيضًا. 

ميغ رايت:
أتساءل أيضًا، هل يمكنك أن تخبرني قليلاً عن البيرغرينا لأن الكثير من المستمعين من خارج العلا قد لا يكونوا على دراية بها. هل يمكنك أن تعطينا نبذة مختصرة بشأنها؟ 

الدكتور عبدالله الحميد:
البيرغرينا هي أشجار فريدة للغاية، وهي من الأنواع الأصلية في العلا. ويوجد نوعان من البيرغرينا، وهما البيرغرينا والأوليفيرا. ونحن نطلق على النوع الهندي الأوليفيرا وعلى النوع العربي البيرغرينا. وهي شجرة برية تُستخدم منذ مائة عام كشجرة لصناعة مستحضرات التجميل والعطور والزيوت وجميع أنواع مستحضرات التجميل. ونحن هنا في العلا نركز بشكل أكبر على الأنواع العربية، التي تعد جزءًا من المنتجات المحلية. ولهذا، يستثمر مركز البيرغرينا بشكل أكبر في هذه المحاصيل ويُجري صفقات جيدة مع الكثير من شركات مستحضرات التجميل الشهيرة في جميع أنحاء العالم لتزويدها بالزيوت وحتى بذور العطور. 

ميغ رايت:
أتخيل أن هذا يجب أن يمثل عامل جذب حقيقي للكثير من السياح الذين ربما لم يكونوا على علم بأن البيرغرينا تأتي من هذه المنطقة، أو ما أهميتها الثقافية.  
 
الدكتور عبدالله الحميد:
هذا يمثل جزءًا من ذلك في الواقع، عندما نتحدث عن التجربة الثقافية، فإنه جزء منها. فنحن نأخذ السائح من خلال هذه التجربة ليتعرف على البيرغرينا ذاتها، وكيف نجمع البيرغرينا، ومن أين تأتي هذه البيرغرينا، وكيف سنقوم بمعالجتها، وحصادها، ومعالجة ما بعد الحصاد، وكذلك ينتهي الأمر بالزيوت أو حتى العطور في نهاية سلسلة القيمة.