Please ensure Javascript is enabled for purposes of website accessibility

تعزيز الروابط الثقافية من خلال التراث

تاريخ النشر

26 November 2024

الأوسمة

Podcast

النص

28 أغسطس 2024

الهيئة الملكية لمحافظة العلا: السلسلة الصوتية لمسارات تقدم رؤى مستقبلية (Visionary Realms)

الموجة الثالثة، الحلقة 7_الإصدار 2

تعزيز الروابط الثقافية من خلال التراث

الملخص:

كيف تستطيع شواهد التراث العريق أن ترسم مسارات الدبلوماسية الثقافية للمستقبل؟ تقدم العلا نموذجًا ملهمًا عبر معرض استثنائي للتراث الأثري، احتضنته كل من باريس وبكين.

يكشف الدكتور عبدالرحمن السحيباني، نائب الرئيس للثقافة في الهيئة الملكية لمحافظة العلا، كيف صُمم هذا "المعلم البارز في العلاقات الثقافية" ليكون له صدى لدى الجمهورالفرنسي والصيني، مما يمهد الطريق لشراكة مستدامة مع المملكة العربية السعودية

“ذكر أن المعرض يروي قصة ارتباط التاريخ البشري عبر التجارة والثقافة وتبادل المعرفة وغير ذلك الكثير، ويُظهر كيف كانت الحضارات القديمة تتقاسم العديد من القيم المشتركة، وكيف يمكننا الاستمرار في التعلم من بعضنا البعض في عالمنا المعاصر.”

في هذه الحلقة، ينضم الدكتور السحيباني إلى ميغ رايت من FT Longitude لمناقشة الدور المحوري الذي تلعبه الدبلوماسية الثقافية في بناء العلاقات الدولية، موضحاً كيف يمكن لكنوز الماضي أن تلهم روابط جديدة تتجاوز الحدود وتعزز التواصل بين الشعوب.

نسخة من مقطع صوتي:

“حتى اليوم، سجلنا أكثر من 30,000 موقع أثري ضمن منطقة العلا وحدها. وعند جمع هذه المواقع وفهم سياقاتها التاريخية، تصبح العلا بمثابة متحف حي؛ حيث تجد نفسك، وأنت في العلا، تتجول بين صفحات التاريخ. “

نص المقابلة:

الدكتور عبدالرحمن السحيباني

    التاريخ ليس ملكاً لنا وحدنا، بل هو إرث مشترك للبشرية، وعلينا جميعاً مسؤولية الحفاظ عليه.

تعليق صوتي    هذه المقابلة جزء من Visionary Realms (مسارات تقدم رؤية مستقبلية)، وهي سلسلة صوتية أنتجتها FT Longitude بالشراكة مع الهيئة الملكية لمحافظة العلا.

ميغ رايت    قال هنري فورد في مقولته الشهيرة: “كل قطعة تروي قصة.” عند زيارتك لأي متحف في العالم اليوم، ستجد قطعاً ثقافية مليئة بحكايات نابضة من الماضي، تنتظر أن تُكتشف لأجيال قادمة. على سبيل المثال، منطقة العلا في السعودية التي احتضنت حياة البشر لآلاف السنين، وهي الآن تدعو الزوار لاكتشاف هذا الإرث والمشاركة في تبادل ثقافي مميز

أهلًا ومرحبًا بكم في سلسلة Visionary Realms (مسارات تقدم رؤية مستقبلية)، التي

تأخذنا في رحلة لاستكشاف رؤى مبتكرة لتنمية المجتمعات وتعزيز السياحة وحماية التراث. في كل حلقة، نتعمق في تجربة مجتمع أو منطقة تستلهم من الماضي لبناء مستقبل مستدام.

أنا ميغ رايت، أرحب بكم في حلقة جديدة نأخذكم فيها إلى العلا والصين وفرنسا لاستكشاف دور الآثار في تعزيز التبادل الثقافي اليوم. كيف يمكن للتاريخ والثقافة أن يضعا أسساً متينة لعلاقات ثقافية طويلة الأمد؟ ينضم إلي الدكتور عبدالرحمن السحيباني، نائب رئيس الثقافة في الهيئة الملكية لمحافظة العلا، ليشاركنا رؤيته حول هذا الموضوع. شكراً لك، دكتور عبدالرحمن، على انضمامك إلينا.

الدكتور عبدالرحمن السحيباني    سعيد جدًا بتواجدي معكم اليوم. شكرًا جزيلًا على هذه الدعوة.

ميغ رايت

    تعد العلا محافظة ذات تاريخ عريق وإرث ثقافي متنوع وحيوي يمتد حتى يومنا هذا. هل يمكنك أن تقدم لنا لمحة عامة عن المشهد الثقافي في المنطقة؟

الدكتور عبدالرحمن السحيباني

    تقع العلا في شمال غرب المملكة العربية السعودية، على بُعد 1,100 كيلومتر من العاصمة الرياض. وقد كانت العلا في الماضي وجهة استراتيجية لقوافل التجارة التي تعبر شبه الجزيرة العربية، ومركزاً لتلاقي الحضارات. ومن خلال التنقيبات الأثرية التي نقوم بها حالياً، تم الكشف عن آثار تعود إلى مختلف الفترات التاريخية، من عصور ما قبل التاريخ وحتى اليوم، وتشمل معالم ثقافية، ومقتنيات تاريخية، وقطعاً أثرية فريدة تجسد غنى المنطقة.

يتميز المشهد الثقافي في العلا بتفرده وعمقه، واليوم أصبح العالم أجمع يتعرف عليه بفضل جهود الهيئة الملكية لمحافظة العلا، التي تعمل على تطوير أكبر متحف حي في العالم. تضع الهيئة الملكية معايير جديدة للمحافظة على التراث الثقافي العالمي والاحتفاء به، من خلال توثيق وصون وتعزيز المواقع والمعالم الثقافية في العلا، حيث تزدهر آثار التاريخ الملموس وغير الملموس منذ قرون.

من خلال جهود الحفاظ الدقيق، وترميم المباني التاريخية، وإحياء الثقافة، وتبادل المعرفة والخبرات، نسعى إلى بناء مشهد ثقافي جديد في العلا يوازن بين التطوير وصون التراث. فعلى سبيل المثال، يتم تطوير منطقة “الجديدة” كحي فني يستضيف صالات عرض تفتح أبوابها للجمهور لاستقبال المواهب من أهالي وسكان العلا والعالم. تسهم العلا في تقديم فرص ثقافية لسكانها وزوارها، وتوفر بيئة شاملة تنمو عند تقاطع الثقافة وفرص النمو المستدام.

ميغ رايت

    تثير فضولي فكرة "أكبر متحف حي في العالم". هل يمكنك أن تشارك مستمعينا ما يعنيه هذا المفهوم الفريد؟

الدكتور عبدالرحمن السحيباني

    بالطبع! عندما نصف العلا كأكبر متحف حي في العالم، نتحدث عن ثروة استثنائية من المواقع الأثرية، والنقوش التاريخية، والفنون الصخرية التي تزخر بها هذه الأرض. ولتقريب الصورة لمستمعينا، أود أن أشير إلى أننا سجّلنا حتى اليوم أكثر من 30,000 موقع أثري في العلا فقط وليس في المملكة العربية السعودية بأكملها.عندما تجمع كل هذه المواقع الأثرية مع سياقها التاريخي، تتحوّل العلا إلى متحف نابض بالحياة.  بمجرد أن تطأ قدماك العلا، تجد نفسك في متحف مفتوح تتنقل فيه بين صفحات التاريخ.

ميغ رايت

    هذا حقًا مذهل! شكرًا جزيلًا على هذه المشاركة. هل يمكنك إخبارنا الآن عن الدور المحوري الذي لعبه التبادل الثقافي في تاريخ العلا، وعن تلك الروابط التاريخية التي كوّنتها مع الحضارات الأخرى؟

الدكتور عبدالرحمن السحيباني

    أعجبني السؤال. مثلت العلا نقطة التقاء محورية لطرق التجارة والحج الرئيسية التي ربطت بلاد الشام      ومصر بالمدينتين المقدستين مكة والمدينة، بما فيها الطرق الشامية والمصرية العريقة. عبر آلاف السنين، تركت أمم وحضارات متعاقبة بصماتها الخالدة في العلا،  من الدادانيين واللحيانيين إلى الأنباط والسبئيين والمينويين، ومن المصريين والرومان إلى العرب. الحِجر، التي تفخر بكونها أول موقع سعودي ينضم إلى قائمة التراث العالمي لليونسكو,، كانت مدينة نبطية مزدهرة سيطرت على طريق البخور التاريخي.

كانت العلا أيضًا منارة للتبادل الثقافي والفكري. تكشف الشواهد التاريخية عن علاقات تجارية امتدت حتى الصين القديمة. فقد      جلب التجار الصينيون، على سبيل المثال، الخزف والأدوية والحرير إلى الجزيرة العربية، مقابل البخور والعاج وغيرها من الكنوز الثمينة التي سافرت في الاتجاه المعاكس. تكشف أعمال التنقيب في القُرح، الموقع الإسلامي البارز، عن عمق التواصل مع الصين في مهد العصر الإسلامي. تقف القُرح، التي تعد من أكبر المدن القديمة في الجزيرة العربية، بفخر كأحد المعالم التراثية الرئيسية في العلا، جنبًا إلى جنب مع دادان والحِجر والبلدة القديمة.

ميغ رايت

    هذا المشهد تاريخي مذهل حقًا. ولجمع كل ذلك معًا، هل يمكنك إخبارنا المزيد عن معرض "العلا: واحة العجائب في الجزيرة العربية" والرسالة التي يحملها؟ كيف يبدأ في سرد قصة تراث العلا وتلك الروابط العميقة التي تصلها بالتاريخ الإنساني الأشمل؟

الدكتور عبدالرحمن السحيباني

    هذا المعرض أعتبره بمثابة أحد أبنائي في الحقيقة. أعتز به وأفخر بما نحققه من خلاله، لأنني أؤمن أنه نجح في تغيير الكثير من التصورات حول تاريخ المملكة العربية السعودية عمومًا والعلا خصوصًا.

تمت استضافة هذا المعرض لأول مرة خارج العلا في معهد العالم العربي في باريس، من أكتوبر 2019 إلى مارس 2020، وذلك قبيل أزمة كوفيد. ثم انتقل المعرض من باريس إلى المدينة المحرمة في بكين، وهي موقع مدرج ضمن التراث العالمي لليونسكو. تضمن المعرض عرض 7,000 عام من الحضارات المتعاقبة في العلا، إلى جانب 200,000 عام من التاريخ الإنساني المشترك الذي يعكس الماضي الغني لشمال غرب الجزيرة العربية

روى المعرض قصة ترابط التاريخ الإنساني عبر التجارة والثقافة وتبادل المعرفة وأكثر من ذلك بكثير. لقد أظهر كيف تشترك الحضارات القديمة كثيرًا وكيف يمكننا مواصلة التعلم من بعضنا البعض في عالمنا الحديث. وكعلامة فارقة جديدة في مسيرة العلاقات الثقافية بين الدول، فإن استضافة الصين لمعرض "العلا: واحة العجائب في الجزيرة العربية" تمهد الطريق لانطلاق المعرض في رحلته القادمة نحو وجهة وجمهور جديدين.

ميغ رايت

    يبدو أن التاريخ العريق للعلا قد أتاح لكم ثروة من المواد للاختيار منها. كيف قمتم بتحديد القطع الأثرية التي سيتم عرضها في المعرض؟

الدكتور عبدالرحمن السحيباني

    في هذا المعرض، تشرفت بالعمل كمنسّق مشارك مع زميلتي المتميزة، الدكتورة ليلى نعمة من المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا. سعينا من خلال السردية المتكاملة إلى اختيار القطع التي تتناغم مع روح المكان والمساحة المخصصة للمعرض. بالطبع، استندنا في اختياراتنا إلى عدة معايير أساسية.

أولها الجمال الفني للقطعة، فالزائر يتطلع بلا شك إلى رؤية قطع تجمع بين الجمال البصري وعمق التاريخ. المعيار الثاني تمثل في الأهمية التاريخية للقطعة. فبعض القطع حملت في طياتها أهمية تاريخية استثنائية، مثل النقوش التي تحفظ أسماء الملوك أو تسجل أحداثًا تاريخية فارقة. هذه القطع حجزت مكانها بطبيعة الحال بين المعروضات المختارة.

وأخيرًا، نراعي الحالة المادية للقطعة، أي مدى صلاحيتها للسفر والعرض. فمهمتنا الأولى هي الحفاظ على تراثنا الثمين، ثم تأتي مشاركته مع العالم.

ميغ رايت    ذكرت أن المعرض قُدم في سياقين ثقافيين مختلفين تمامًا - مؤخرًا في الصين وقبلها في فرنسا. كيف أثرت الرؤى الثقافية الفرنسية والصينية على نهجكم في تنظيم المعرض؟ وهل نجحتم في صياغة قصّة تتردد أصداؤها في قلوب الجمهور في كلا البلدين؟

الدكتور عبدالرحمن السحيباني    ما يجمع بين نسختي معرض “العلا: واحة العجائب في الجزيرة العربية” في باريس وبكين هو تلك الفرصة الثمينة التي أتيحت للهيئة الملكية لمحافظة العلا لتقدم كنوزاً لأول مرة إلى جمهور جديد. أتيحت للجمهور في كلا البلدين الفرصة لاكتشاف جذورنا العميقة، والحضارات المتعاقبة، والقصص الخالدة التي شكلت حياة العلا وتراثها وثقافتها عبر العصور. شهد هؤلاء الزوار، من رجال ونساء، شباب وفتيان، روائع من القطع الأثرية ذات القيمة التاريخية والثقافية الاستثنائية، بما في ذلك المنحوتات المذهلة من الحضارة اللحيانية، التي أجدها مميزة للغاية.

في جوهره، يجسد معرض "العلا: واحة العجائب في الجزيرة العربية" الأهمية العميقة للدبلوماسية الثقافية في عالمنا المعاصر. خدمت نسختا باريس وبكين في تعزيز رؤية الهيئة الملكية لمحافظة العلا طويلة المدى - رؤية تطور العلا لتصبح وجهة عالمية رائدة تجذب المسافرين الشغوفين بالثقافة، والباحثين الأكاديميين المرموقين، وكل من يهتم بتراثنا الإنساني المشترك.

ميغ رايت

    في ظل هذه اللحظة التاريخية الهامة، كيف ترى أهمية التركيز على التبادلات والحوارات الثقافية؟

الدكتور عبدالرحمن السحيباني    بصفتي عالم آثار، أؤمن بقوة بأن الفعاليات الثقافية تمثل جسوراً تجمع بين الشعوب. سواء كانت معارض أو مؤتمرات، فهي من أسرع وأسهل الطرق لبناء التواصل بين الحضارات. نسعى اليوم للعودة إلى جذورنا في الألفية الأولى قبل الميلاد، حينما كانت العلا مركزاً حيوياً تلتقي فيه الحضارات المختلفة، حيث عاش الناس في وئام وسلام من خلال الحوار والتفاهم المشترك. نحاول اليوم إحياء هذا الإرث والتأكيد على أن الفعاليات الثقافية هي الجسر الذي يوحّد شعوب العالم.

هذا المعرض يحتل مكانة خاصة في قلبي لأنني شهدت بنفسي كيف تفاعل الجمهور معه. تعلمون، من الناس، من لا يعرف الكثير عن تاريخ المملكة العربية السعودية، يظنون أن تاريخها يبدأ مع فجر الإسلام، لكن الحقيقة أن لدينا تاريخًا عريقًا وعميقًا يمتد في العلا وفي أرجاء المملكة. لذا كان المعرض منصة رائعة سمحت للناس باكتشاف التاريخ الثري لهذه المنطقة. لقد غيّر الكثير من المفاهيم لدى زواره. وهذا ما يجعلني فخورًا بردود الفعل التي نتلقاها. لأنه كما ذكرت التاريخ ليس ملكنا وحدنا بل هو إرث لجميع البشر، تراث مشترك نتحمل جميعًا مسؤولية الحفاظ عليه.

ميغ رايت

    وأخيرًا، عبدالرحمن، نطرح هذا السؤال على كل ضيوفنا - ما النصيحة التي تقدمها للمؤسسات الثقافية والقادة الطامحين لتوفير مساحة ثقافية نابضة بالحياة وتعزيز التبادل الثقافي في مجتمعاتهم؟

الدكتور عبدالرحمن السحيباني    أولاً، حافظوا على الأصالة في المحتوى وادعموه بالأدلة المادية الموثوقة لتعزيز المصداقية. ثانياً، ركزوا على رفع وعي المجتمعات المحلية والعمل بالتعاون معها، فهي المستفيد الأساسي من هذا المحتوى والمسؤولة عن المحافظة عليه على المدى البعيد.

وهنا أود أن أشارككم تجربتنا الملهمة في العلا، حيث يشكل المجتمع المحلي حجر الأساس في رؤيتنا. قمنا بتطوير نموذج فريد للشراكة المجتمعية من خلال برنامج “راوي”، الذي يعني باللغة العربية الشخص الذي يروي القصص. يرافق هؤلاء الرواة، وجميعهم من أبناء العلا، الزوار في رحلاتهم عبر المواقع الأثرية النشطة مثل دادان. وقد تلقوا تدريباً متخصصاً في التاريخ وفنون التواصل مع الزوار، ويستمدون معلوماتهم مباشرة من علماء الآثار ليقدموها للزائرين.

لا يقتصر هذا البرنامج على توفير فرص عمل - رغم أهمية ذلك - بل يسهم في إشراكهم كجزء حيوي من المشروع، مما يعزز فخرهم بتراثهم ويجعلهم حراساً أوائل لهذا التاريخ العريق

ثالثًا، الشراكة. أؤمن بقوة الشراكات الاستراتيجية. التعاون مع أفضل المؤسسات الدولية يضمن الجودة وينقل المعرفة للأجيال القادمة.      هذه المكونات الثلاثة، في رأيي، هي ركائز النجاح لأي مؤسسة ثقافية.

ميغ رايت    شكرًا جزيلًا. نصائح قيمة وختام مثالي لحوارنا. د. عبدالرحمن السحيباني، نشكرك على مشاركتنا هذه الرؤى القيّمة في سلسلة Visionary Realms (مسارات تقدم رؤية مستقبلية).

الدكتور عبدالرحمن السحيباني    شكرًا لكِ ميغ، استمتعت حقًا بهذا الحوار، وأتمنى أن يجد جمهورنا فيه ما يثري معرفتهم ويلهم تطلعاتهم.